الجمعة، 10 ديسمبر 2010

الذوبان في الحب ..


   إن الكلام في الحب له ميزة البساطة المعقدة .. والسطحية العميقة .. و ما إلى ذلك من التناقضات المحبّبة ..
والحب صفة أو لنقل حسٌّ تتأصُله القداسة في نفسه .. بمعنى أن الحب لا يسمّى حباً حقيقيّاً إن كان خارج نطاق مقدّس في ذاته .. وما يحوم حوله التلوّث والدناءة لايمكنه أن يَعْبر من بوابة قدّيس الحب ..
وعلى ذلك فندرة وجوده ترجع إلى ندرة وجود القداسة في العالم المادي .. أو الروحي ..

ومن ناحية أخرى .. فالحضارة الإنسانية - في عُرْف الناس - لا تقوم إن عُدِم معنى الحب فيها .. فهو أصل لكل إنجاز.. و في هذا المقام تتعدد توجّهات الحب ومن الممكن أن تدخل في دهاليز مظلمة لاتمت القداسة بأي صلة .. وبذلك أبدأ مناقضة نفسي ..
ولحل ذاك الإشكال أقول .. أن هناك مراتب أقل درجة من قدسيّة الحب و يمكن لها أن تأخذ بعض مميزات الحب وبعض صفاته الكامنة .. و هذه المراتب ليس بالضرورة أن تأخذ مسمّى الحب ذاته فيمكن أن يُطلق عليها أسماء كثيره تليق بمكانتها كـ" المحبة - الأُلفة - التقبّل .. " إلخ من التعامل البشري و.. الغير بشري ..

و إن خصّصنا الحديث عن الحب فلابد أن يتّسم الحديث بشيء من القدسيّة .. لا أن تتّسم [ذات] الحديث بالقدسية .. بل يُذكر شيء من لوازم القداسة في الحديث تُكسِبه صفة مماثلة ..

وبذلك نذكر حديث رسول الله - صلّى الله عليه وآله- عن سبطه و حبيبه الحسين -عليه السلام- حيث قال : " حسين منّي و أنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينا " ..
فنذكر صاحب شهر انتصار الدم على السيف .. وصاحب أرض كربلاء المقدّسة بجسده الشريف و دمائه الطاهرة .. صاحب واقعة الطف و يوم عاشور الحزين ..

إن حب مولانا الحسين - جُعِلت أرواحنا فداه - .. هو حب روحانيّ الأصل .. فطريّ الابتداء .. و بما أنه حب يتعلّق بروح تتّصل بالإمامة الربّانية "القُدسيّة" و هي روح الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب -عليه السلام- فهو -حبّه- اكتمال لمعنى الحب الحقيقي والحب الخالد الوجود الذي لا فناء له ولا موت يعيق من استكمال مسيره ..

و إن كان كذلك فهذا يستلزم كل أصول و تفرّعات و متعلّقات مسمّى الحب الأصيل .. ابتداءً من الذوبان الروحي اللاإرادي إلى أن يصل للخدمة والطاعة والتماثل المنهجي و ينتهي لأبسط الأمور و المتمثّلة بـ" الفرحة لفرحهم، والحزن لحزنهم" .. و هو ما أستطيع أن أقول عنه بأنه أبسط التعبيرات لإظهار ذاك الحب القلبي النفسي ..
و اقتران ذاك الحب بالنفس والروح اقتران بديهي .. فبما أنني ذكرت أنه خالد الوجود فلا يمكن أن يقترن بشيء فان فقط .. والقلب على كل حال قد يموت في أية لحظة .. وأما النفس فتذوق الموت فقط ولاتموت هي بذاتها ..

وصريع العبرة الساكبة بذل ما بذل في أرض كربلاء وقد كان بذلاً لله رب العالمين ولاشك في ذلك فاستشهاد الإمام الحسين استشهاداً لرب العالمين فهو "قتيل الله وابن قتيله .. و ثار الله وابن ثاره" .. وبالمقابل هذا البذل يعود علينا -نحن عبيد الله - بكل البركات والصلاحيّات التي تخدمنا والتي لولاها لما استطعنا المضي في درب التكامل الذي خُلِقنا من أجله ..

فثورة الحسين -عليه السلام- هي بداية كل ثورة .. وبداية استكمال لأصول الدين المحمّدي ..
ولولا الحسين لما كنّا نحن نحن .. ولا الأمة الأمة .. ولا الإسلام إسلاما !! 
نعم .. فالإمام بذل نفسه لأجلنا .. لنستكمل ثورته و نتّخذ مسيرته و نُقيم الدين .. و نصل بذلك إلى الخير المطلق .. 
فقد قال فدته روحي .. : " ما خرجتُ أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي " 


ألا يستحق بعد كل هذا أن يكون في مرتبة التجلّي الأعظم للحب القدسيّ .. وأن تُذاب الروح في حبّه قهراً و جبرا .. !!
فلا عجب لمن ترك أمن بلاده وذهب لبؤرة الخطر والقتل لزيارة مرقد الإمام -عليه السلام- .. وقد يتضرر و يخسر مايخسر من أعضاء بدنه ولا يتضجر أو يتحسر أبدا .. بل تستأنس روحه لذلك ! .. 
ولا عجب لمن بكى و نَحِب و صرخ باسمه الشريف في كل لحظة ذَكَر بها مصاب أبي عبدالله أو ذُكّر به ..
ولا عجب في ذاك كله فحب الحسين كائن في كل فطرة سليمة لا تشوبها شائبة .. 

وكما نعلم أن حب الله تعالى هو أقدس حب عرفَته و يمكن أن تعرفه الإنسانية .. و حب الإنسان لموجده وخالقه و منعمه حب فطري ولا كلام في ذلك ..
و هذا الحب لله تعالى "الفطريّ" يقتضي حب الحسين -عليه السلام- الذي يُعد من تفرّعات و تعلّقات حب الله العظيمة .. و حب الحسين يقتضي بدوره حب الباري عز وجل لنا .. " أحبّ الله من أحبّ حسينا " .. 

فكيف لنا أن نحب الله ولا نحب كل شيء متعلّق به و كل من تجلّى بهذا الحب الإلهي القدسي ؟؟
وكيف لنا أن نحب الله ولا نحب أن نكون محبوبين من قِبله ؟!

***

"مطلب آخر" ..

فشوقي إليك متّصل ..
يا من وعدت بأخذ الثار الإلهي ..
ويا من له خُلِق انتظاري ..
أسألكَ باسم الإله الذي تعبد و تُحِب أن تعجّل في الظهور ..
فقد والله ضاقت الصدور و كربلاء مازالت تنتظر في الشقاء ..
متى اللقاء ؟ ..

***

** اقتباسات من كلام الشيخ مرتضى البالدي -حفظه الله-
وله مني كل الشكر والامتنان والاحترام لشخصه الكريم ..
 السلام عليك و على الأرواحِ التي حلّت بفناءك وأناخت برحلك
السلام عليك يا أبا عبدالله الحسين

الاثنين، 6 ديسمبر 2010

للتنقية ..

كانت هناك نية للتعبير عن فرحة قد عَبَرت لتوها قلوب أهل أرض الكويت الحبيبة .. بطريقة ما .. بكتابة ما .. بأسلوب ما ..
فرحة الأزرق .. اللون والموج .. هايدوو و الجمل .. الصيحات .. الكأس .. البطولة .. الكويت .. الوطن ..

لكنني أعتذر من عدم رسم ذاك التعبير على وريقات الواقع في هذا الوقت ..
فإنني أقف على عتبات رفع حداد و سمو حزن ..
أقف وأمامي صاحب العصر والزمان لتقديم تعزية مثكلة بالآلام والدموع .. و من ورائي ملائكة تهيئ أنفسها لتقيم المآتم ..

فذكرى طف لم تُعَد أبدا ذكرى في قلوبنا ..
وشهر الحسين الذي بدأ من دون أن ينتهي في زمن ما ..

أعتذر فهناك من طوّق قلبي باسمه .. و خُلِق مدمعي لرواية مصيبته ..
فأي مصيبة تلك .. و أي شجون علقت بها روحي .. ؟!

أعن اليدين أتكلم أو الخنصر ؟.. أم النساء أو الأطفال .. أم العطش أو الفرات .. أم الخيام والاحتراق .. ام السبي والضرب .. أم حوافر الخيل والجسد .. أم الرأس والقرآن .. فانتهاك لحرمة رسول الله -صلى الله عليه و آله - .. وانتهاك لحرمة الدين .. !!

فأي آآه قد تكفي لتلملم كل ذاك الجلل .. ؟
و أي لطم قد يفي بوعد الحزن المستمر ..؟!
و أي قرح للجفون .. و أي اذلال للعزيز .. في أرض قد سميّت بأرض كرب و بلاء ..

مولاي .. قد أبكت رزيّتك مخلوقات الأرض والسماء ..
فلِمَ لا أنحب أنا ؟؟ و لم لا يصطبغ لوني بلون سواد الشجن ؟؟ و لم لا ينسدل ستار مجاز السكون ؟؟
فليس هنالك اكتمال لفرحة .. ولا حيز لخلق سرور حتى على الشغاف .. !
نعم .. فـ"إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين .. لا تبرد أبدا .. "

* * *

حب آل البيت عليهم السلام ديننا و عقيدتنا التي نسير عليها في حياتنا و حياة أرواحنا .. و إن كانت الحقيقة كذلك .. فالحب لم يكن أبدا بمجرد كلمات تُنطق .. ولا بأحرف تُكتب .. ولا بلعق على الألسن ..
حبهم طاعة لهم أولا .. والطاعة مسؤولية لنا .. والمسؤولية الخدمة ..
وفي هذا الشهر الحرام يجب أن تُرفَع شعاراتهم .. و تُبجّل شعائر الرب .. "ومَن يُعَظّم شَعائِرَ اللهِ فإنّها منْ تَقْوى القُلوب"

فإن وفّقنا لذلك سنفعل .. وإن كُرّمنا سنرتقي لملاقاتهم ..
والسعي يبدأ بالمحاولة .. والإرادة تُصنَع بأيدينا .. و أما الاجتهاد فيمحوره مقدار الحب ..

* * *

"مطلب أخير .."

فشوقي إليك متّصل ..
يا من تطهّرتِ بدماء و بوركتِ بقتلى ..
أسألكِ باسم الإله الذي تُسبّحين أن تُسلّمي على من سكن داركِ و ألبس تُرابكِ ثياب القربان ..
و أن تتوسطي لي في الطلب إلي ..
متى اللقاء .. ؟

* * *

السلام عليك يا صريع العبرة الساكبة .. و قرين المصيبة الراتبة ..
السلام عليك يا أبا عبدالله الحسين ..